من إنجاز: الحسين بوعامي
مقتطف من كتاب «كنوز الأطلس المتوسط» لمؤلفه عبدالمالك حمزاوي. (ص 687…) مطبعة المعارف الجديدة. الرباط 2014.
كيف يصبح الشخص: «بوغانيم» ؟
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن «بوغانيم» أو صاحب الناي أو العازف عليه، يحتاج إلى فترة زمنية لتعلم العزف على هذه الآلة الموسيقية التي يصنعها بنفسه وبعد اكتمال نضجه وإتقانه للعزف لا بد له من المرور بعدة محطات قبل أن ينتقل إلى الاحترافية.
وقبل استعراض المراحل التي يمر منها تكوين بوغانيم، تجدر الإشارة أن منهم من التحق بهذا المجال إما عن طريق:
1- الصدفة كما ذكر: أباقدي لحسن أوعلي الملقب بالطاوس، حيث يروي، أنه رأى في منامه عدة مرات، رجالا يدعونه لمزاولة هذا الفن، فاضطر لولوج هذا الميدان.
2- الإرث من العائلة: كما هو الشأن بالنسبة لفئة أخرى منهم.
3- التأثر في مرحلة الطفولة بأحد الرواد الذين كانوا يتنقلون بين القرى في فترات معينة من السنة من أجل إحياء السهرات كما حدث مع: عدي أوهمو وعثمان أوزايد.
4- زيارة أحد الأضرحة التي يرقد فيها أحد أولياء الله الصالحين الذين يمنحون البركة- رغم وفاتهم- لمن يلتمسها منهم. ومن شروط هذه الزيارة، هو أن يبيت «بوغانيم المستقبل» تلك الليلة بجوار قبر الولي بعد أن يقدم وجبة العشاء التي أعدها سابقا للفقراء والمساكين ويطلق عليها اسم «صدقة» أو «المرفودة» أو «أمعلم» بالأمازيغية. وغالبا ما تكون الوجبة عبارة عن «الكسكس » بلحم الجدي أو الديك الذي يذبح بالمناسبة ( الذبيحة تكون حسب الإمكانيات المادية للمريد) وفي صبيحة اليوم الموالي يقص الزائر على محيطه ما رآه خلال منامه فيفسر ذلك الحلم من طرف أحد العارفين بهذه الأمور الذي يوجه طالب البركة الذي قصد الضريح ب «النية» و يقول له، إن تم قبول طلبه: «إقضاش ربي أسكين النش، إذي شمل ربي سلخير» ومعناه: قضى الله حاجتك ومبارك عليك وأتمم الله عليك بالخير.
ومن أهم المراحل التي يمر منها بوغانيم المستقبل:
1- مرحلة التدريب على تقليد أصوات الحيوانات التي يصادفها في الطبيعة أو تلك التي تعيش معه في بيت العائلة.
2– التمرن على الرقص المصاحب لمعزوفاته على الناي.
3– مرحلة الملاحظة والاقتباس عن الشخصية التي يتمنى أن يصبح مثلها.
4– جمع الألبسة التي سيرتد يها للظهور أمام الجمهور، وغالبا ما يتم شراء مكونات هذا الزي من الأسواق المحيطة بقريته، وسنشرح هذا الأمر لاحقا.
5– تعلم كيفية ارتداء تلك الملابس التي جمعها سابقا وبدأ تمارين جديدة بهذه البذلة الخاصة بتقديم عروضه الفرجوية.
6– والمرحلة ما قبل الأخيرة هو تعلم «الفاتحة» بوضع السكون على حرف التاء، وهو الدعاء المتنوع، وحفظه من أجل استعماله لمجازات و شكر من يغدق عليه بالمال خلال السهرات التي سيقيمها في القرى والدواوير التي سيتجول فيها رفقة أصدقائه أعضاء فرقته الفنية.
7– مرحلة ترتيب الأوراق وهي المرحلة التي يشكل فيها أول مجموعة مرافقة له، حيث يتم توزيع الأدوار بين أعضاء الفرقة حتى يحصل بينهم الانسجام والتكامل.
بوغانيم هو الشخصية الرئيسية في الفرقة.
يعتبر بوغانيم هو الشخصية الرئيسية في الفرقة التي تتكون غالبا من ثلاثة أشخاص بالإضافة إليه، وهم: شاعر واحد ويسمى: «الشيخ» ومنشدين مختصين في الترداد ويسميان: « إردادن» (أي المرددين) ويشترط فيهما أن يكونا يتقنان العزف على آلة الإيقاع (البندير أو تالونت بالأمازيغية حسب تسمية الحلف القبلي ل: أيت يا فلمان) وإذا دعت الضرورة فإن هذا العدد يمكن أن يتقلص إلى اثنين ( بوغانيم، ويلعب أيضا دور* أرداد * ومرافقين، أحدهم يجب أن يكون ضابط إيقاع و الثاني حافظا لعدد من القصائد الشعرية)
ما هي الفترات التي يقوم فيها بوغانيم المنتمي- لقبائل أيت ياف لمان- وفرقته بالجولات في القبائل الأمازيغية بالأطلسين المتوسط والكبير ؟
لا شك أن بوغانيم يمتاز عن باقي الفنانين بتنظيم محكم لوقته، فهو من يبرمج رحلته قبل مغادرة قريته، كما يحدد تاريخ السفر والعودة، يختار أعضاء فرقته، يحدد محطات التوقف لإحياء السهرات والأعيان الذين سيحل عليهم ضيفا والعائلات التي سيزورها.
ومن عادات بوغانيم أنه يبرمج سفرياته إما قبل أو بعد فصل الشتاء. ففي فصل الخريف، خلال موسم الحرث، يصول ويجول بقبائل: أيت حديدو، أيت مرغاد، أيت يزدك وأيت يحيى. ولماذا اختيار هذه المناطق و الفترة بالضبط ؟ والجواب بسيط للغاية، لأن خلال هذا الموسم يفتح الفلاح خزائنه الأرضية التي يحتفظ فيها بمحصوله الفلاحي من الحبوب التي حصل عليها بعد عملية الحصاد والدرس خلال الصيف المنصرم، كالقمح الصلب واللين والشعير… وتسمى هذه الخزائن بالأمازيغي: «تسرافت» أو «لهميل» وبالعربية (الدارجة): «المتمورة» وهي عبارة عن حفرة في الأرض كان يحتفظ فيها، قديما، بالمحاصيل الزراعية… كما تشكل هذه المناسبة فرصة لبوغنيم للحصول على قسط من الحبوب يواجه بها فصل الشتاء والبرد القارص الذي تعرفه منطقته.
أما عن اختياره لمرحلة ما بعد الشتاء وهي بالضبط فصل الربيع فتكون وجهته القبائل الأمازيغية التي تتمركز في اتجاه الساحل انطلاقا من مقر عيشه ( يسميها هو الغرب) وهذه المناطق تعرف بطقسها المعتدل الذي يساعد على نمو الخرفان حيث يشرع مربي الماشية * الكساب * في بيعها مما يوفر له المال الذي يمكن أن يتصدق بجزء منه على بوغانيم ومرافقيه إبان زيارتهم له.
ما هي العادات والتقاليد اتجاه بوغانيم عند القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط ؟
بعض القبائل لا ترحب بهذا الفنان في بيوتها ولكنها لا تحرمه من كرمها، والبعض الآخر يحتفل بقدومه حيث تذبح الخرفان وتقام الموائد ويجتمع حولها الأهل والأقارب والأصدقاء للاستمتاع بلحظات ممتعة رفقة بوغانيم الذي لم يزرهم منذ سنة. وخلال هذه السهرات التي تستمر عادة حتى الفجر يجمع فيها الفنان بوغانيم مبالغ مالية مهمة من جلسائه، وكلما حصل على مبلغ مالي من أحدهم – يوضع المبلغ في البندير ولا يسلم له من يد إلى يد – يردد كلمة:« تنبايعت» وهي كلمة شكر وإشهار وتحفيز في نفس الوقت لدفع الآخرين إلى التبرع عليه بالمزيد، وهذا التكتيك يخلق جوا من المنافسة بين الحاضرين ويكون هو الرابح بطبيعة الحال في هذه العملية. وفي اليوم الموالي ينتقل إلى قرية أو دوار آخر وهكذا دواليك إلى أن يحين الموعد الذي حدده لعودته إلى بلدته.
Get real time update about this post categories directly on your device, subscribe now.
Discussion about this post