نور الدين عثمان
على هامش الجدال الدائر حاليا حول المساعدات الغذائية التي شرعت الكثير من الجماعات الترابية أو فيما يخص عملية تسجيل المواطنين في لوائح المستفيدين منها، فبغض النظر عن أهمية هذه المساعدات الغذائية في هذا الظرف الحساس تبقى مسألة تدبيرها تثير الكثير من الأسئلة والاعتراضات من هنا كل حسب موقعه ومصالحه الشخصية والجماعية كما تخضع إلى مسألة التقديرات انطلاقا من المواقع التي يتحصن وراءها كل طرف.
فالطرف الذي يرى أن تسجيل المستفيدين من المساعدات الغذائية يجب أن يكون حكرا على السلطة دون غيرها، يريد أن ينزع هذا الملف من يد السياسيين خصوصا من يدبرون الشأن العام من موقع المسؤولية حتى لا يتم استغلاله سياسيا من طرف حزب معين أو أكثر (نقصد هنا الحزب أو الأحزاب التي تدبر الشأن العام في جماعة معينة). وهذه دفوعات في جانب من الصواب لأن لا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن أطراف سياسية تستغل أحداث أو مآسي لتكسب نقط تستغلها في معارك انتخابية لاحقة. وهذه التصرفات ليست منافية للقانون فقط بل ترقى إلى مرتبة الخيانة خصوصا في أوقات الأزمات والكوارث الكبرى كالتي نعيشها حاليا بسبب جائحة كورونا.
لكن في المقابل الطرف الذي يَدْفَع أو يطالب بضرورة أن تستفرد السلطة وحدها بتسجيل المواطنين في لوائح المستفيدين من المساعدات الغذائية نكاية في السياسي أو تخوفا أو انتقاما وتصفية لحسابات معينة وأن الحل يكمن وضع هذا الملف بين أيادي السلطة وأعوانها لتدبيره معتقدة أن هذا هو الطريق الصحيح لكي يستفيد كل المواطنين المستحقين لها.
لست هنا بصدد الدفاع عن السياسي أو جلد رجال السلطة وأعوانهم . ففي كل المجلات يوجد الصالح والطالح، لكن هل هناك حقا من يعتقد أن السلطة نزيهة ومحايدة لهذا الدرجة حتى ينبري البعض لرفعها إلى مقام المعصومة من الخطأ؟ الذين يدافعون عن السلطة إلى درجة التقديس عليهم الإجابة على الأسئلة التالية :
من كان يتلاعب في قفة رمضان ومساعدات غذائية أخرى منذ عقود من الزمن؟ ألم توزع وثيقة التنقل الاستثنائية في بعض المناطق بنوع من الزبونية والمحسوبية؟ ألم يقع تلاعب وإقصاء في المساعدات الإنسانية التي تم تقديمها من طرف المحسنين؟ ألم يتم إقصاء الكثير من المواطنين الفقراء من بطاقة راميد في حين استفاد البعض منها رغم أن وضعهم الاجتماعي لا بأس به؟ إضافة إلى خروقات كثيرة أخرى. لا نعمم بل.
طبعا هناك أناس شرفاء في كل المجالات وأن هناك أناس من داخل أجهزة الدولة أشرف بكثير مما يعتبرون أنفسهم مناضلين، لكن هذا لا يعني أن نصمت على بعض التجاوزات مهما كان مصدرها.
اعتقد وبعيدا عن البهرجة والتقديس والمزايدات الفارغة أن الحل يكمن في إشراف متعدد الأطراف على عملية التسجيل والتدقيق والتوزيع تجمع بين ممثل السلطة والمنتخب ومراقبين من المجتمع المدني من باب تفعيل الديمقراطية التشاركية، حتى تمر العملية بكل شفافية وتصل المساعدات الغذائية إلى كل مستحقيها بدون تلاعب أو إقصاء أو حيف أو استغلال من أي طرف كان لأن الهدف هو تجاوز هذه الفترة العصيبة بأقل الخسائر وليس تسجيل النقط على الخصم. لأننا الآن في معركة وجودية وليس في فسحة عابرة، طالما أن الدولة لم تسطيع بعد إعداد السجل الاجتماعي الذي سيصنف الفئات المجتمعية بدون لغة التمييز طبعا.
من يريد الخير لوطنه عليه أن يقول الحقيقة مهما كانت مؤلمة ومزعجة وأن يكف عن النفاق لتحقيق مكاسب شخصية، وأعتقد أن الدولة اليوم تحتاج لمن يقول لها الحقيقة وليس الاستمرار في يبجل مجهوداتها التي هي واجب وتكليف قبل أن يكون تشريف. فنحن اليوم ندفع ثمن الكثير من النفاق والفساد.
Get real time update about this post categories directly on your device, subscribe now.
Discussion about this post